التعرّي والاختلاط بين مكّة والشواطئ!

هناك شبه إجماع على ضرورة الخروج إلى الشواطئ، وانتهاز فرصة الإجازة للراحة والاستجمام، فلا غرابة في أن ترى رجلا وزوجته قُبالة البحر تارة ممتدا أسفل الشمسية وتارة أخرى سابحا رفقة زوجته.. ولا ضير في أن يحيط بهذا الثنائي "النموذجي" عدد من الرجال عُراة الصدر لابسي أقل ما يمكن أن يستر.. حسنا مشكلتنا إذا اعتبرناها مشكلة: ليست تعرّي الرجال! بل الفرجة المجانية ورضى الزوج بأن تبصر زوجته كل تلك الصدور؟؟

لنتفق أولا أن هذا الموضوع لا يعني أهل الدياثة من يرون بساطة "الظاهرة"، وأنصح هؤلاء بألا يقرؤوا شيئا من المقال إلا إذا كانوا يَوَدّون إصلاح العطب في "رجولتهم".. فمن يرضى بأن تلبس زوجته أو أي بنت من ذويه "البكيني" أو "الفيزو" أو "البنتكور" فلا حرج لديه في أن تتمتع نسوته بالصدور المليئة بالشعر والرجال العراة المعاكسين بحركاتهم الإيحائية..
الإحرام في مكة
عورة الرجل بين السرة والركبة، وحتى في أطهر بقاع العالم "مكة" يعرّي الرجل صدره في الإحرام، وفي نفس المكان تؤدي النسوة نفس العبادة وفي اختلاط! ولكن حتى لا ندخل في انتقاد لظاهرة الاختلاط في الحرم المكي وما ينتج عنها ـ وقد تحدثنا عن الموضوع بإسهاب في مقال سابق ـ سنسلّم بأنه مكان للطاعة، وهيبة الكعبة قد تحدّ من ظواهر التحرش.. فلا يمكن بأي حال من الأحوال مقارنة الحج بالاصطياف، فلا الأرض واحدة ولا القصد نفسه.. وحال الشخص وهو في الشاطئ ليست ذاتها في الحرم المكي، فلابد أن الحاج والمعتمر لا يقطع تلك المسافة ليزاحم النساء وهو قادر على ذلك في أي مكان أقرب ـ بغض النظر عن بعض الحالات الشاذة ـ، ونفس الشيء للمرأة فمقتضى الحال سيشغلها عن تتبع الصدور وأيها أكثر اتّساعا وشعرا..
ولكن الشاطئ وقاصدوه أصلا راغبون في الراحة ولا شغل لهم، لكنه سيحمل الكثير من الشغل المحبب لدى البعض، فانطلاقا من الاختلاط الذي يجعلك رفقة زوجتك وبناتك وأخواتك بمحاذاة رجل لا يلبس إلا "التبّان" أو أقل، ويستلقي عارضا ما لا ترضاه ـ بافتراض عقلانيتك ـ، ومرورا بـ"البحلقة" والنظرات المتطلعة لمن معك، وبالمقابل المناظر العارية التي ستحيط بنسائك من كل جانب، ووصولا إلى دخولهن البحر وخروجهن بلباس مبتل سيصف الإجساد أوصافا دقيقة في حال كان اللباس حجابا، ولن نتحدث عن ألبسة البحر طبعا ههههه.. هنا من المؤكد أن الذي يعتبر كل هذا من ضروريات البحر وظروفه ويأخذ ببساطته هو ديوث ميت القلب لا حياء له ولا غيرة على أهله، وحكم الشرع فيه جليّ ألّا يدخل الجنة أبدا..
وحتى نوصل فكرتنا للمتحسّسين من الطرح الديني، نذكرهم بأن الحيوانات في البريّة تتقاتل لأجل الإناث، ولا ترضى المشاركة فيها، وإذا لم نعتبر ذلك غيرة لنقل أنها غريزة حيوانية "نقية" فهل أضحى الإنسان في شرفه أقل اهتماما وقيمة من الحيوان؟؟
نحن لا نمنع الاصطياف، ولا نطلب من الناس أن يسجنوا نساءهم في البيوت صيفا حتى تبقى الرجولة والمروءة! بل لابد من إيجاد بدائل، ومن يقول أن الأمر عمّ وجميع الناس يخرجون للبحر في مثل هذه الظروف فهو مخطئ، فهذا ليس أمرا محتّما، ويمكن تغييره بالتدرج، ولنا خير الأمثلة في انتقال المجتمعات العربية الجاهلية إلى الدين، أو الأوربية المتخلفة المغلولة بالمسيحية المتطرفة إلى العلمانية.. فهذا الانتقال شمل جميع مناحي الحياة ولم يقتصر على الصغائر، فما أدراك بسلوكيات الاصطياف؟
نستطيع تخصيص شواطئ للنساء وأخرى للرجال، محمية ومراقبة تضمن الراحة النفسية و"الحرمة".. وريثما يتم تجسيد فكرة مثل هذه وأفكار أخريات، على الرجال بأهاليهم قصد الشواطئ المنعزلة التي لا يقصدها من هبّ ودبّ، تلك التي لا ترى بها إلا عائلة أو عائلتين.. ومن يطرح مشكل الأمن، يمكنه اصطحاب رفقة له ليكون العدد أكبر..
لابد ألا يزهد الرجل في ستر نسائه، وأن يجتهد في تجنيبهن الاختلاط والمناظر الخادشة للحياء، فالبحر لا يعني بالضرورة القبول بالتعري، وإلا فما الفرق بين التجرّد من الملابس في الشاطئ والإقدام على نفس العمل في الشوارع؟؟ فمن الغباء القبول بنفس الفعل في مكان دون آخر!

هلقلي

بقلم / معمر عيساني

تعليقات

  1. مقال رائع و هذا اشكال عسير ، حتى النساء اغلبهم لم يعودوا يهتموا برأي الرجل او الرجل لديه شي عادي...

    لكن لي نقطة اود مناقشتها ، الحج او العمرة لم يكن يختلط قديما بل كان يتم تقديم او تأخير النساء .

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة