من طوباس إلى كل فلسطين.. الثقافة بلباس الاحتلال، وعيشة دون هوية!

مقص الرقابة يُخضع المبدعين لأجندة السياسيين المطبعين، وإسرائيل عاكفة على مسخ هوية الأجيال القادمة، واليونيسكو شبح لا أثر له في الساحة الثقافية الفلسطينية.

طوباس بين الثقافة وواقع شبابها.
مدينة "طوباس" في الضفة الغربية بفلسطين، يوجد بها مركز ثقافي واحد، ونشاطه ضعيف غير فعال، فهو ملتقى له خصوصيته الجغرافية المحدودة، لا يطلق الكثير من المبادرات لحثّ الشباب على الإبداع، النشاط الوحيد تقريبا المعروف عن هذا المركز هو إلقاء شعري يدخل معه شيء من الخاطرة والقصص القصيرة التي تحمل في طياتها معاناة الفلسطيني من أسر وقتل وتشريد إلى غير ذلك، وهذا الموضوع لا يُغطى من الجهات الرسمية والإعلام، ولا ينطلق لسانه من خارج الغرفة التي اجتمع فيها نفر من الرجال والنساء بعدد الأصابع للأسف الشديد. الشباب المثقف غائب، بل هو أسير الكلمة التي يكتبها، فلا يبرح مكانه ولا يتقدم خطوة للأمام بل يتراجع شيئا فشيئا.. الشباب أصبح بالتدريج "مسيّسا" ولا يراد منه التثقيف، هناك نداءات واستغاثات لإيقاظ الثقافة في جيل الشباب ولكن ما يُرى في المناهج وفي الواقع المشهود لا يمت بصلة للثقافة، حتى أنّ البعض يحاول أن يبرز نشاطه ويعبر عن غضبه بانفراد، ولكن قبل أن يتقدم بها إلى منصة أو منبر إعلامي، تُقرأ على مسامع اللجنة، وهم يقررون إن كانت تصلح أو لا تصلح للعرض، وذلك وفق ما يتماشى مع سياسة المحتل الغاشم. حتى المناهج المدرسية يطّلع عليها المحتل، فإن كانت تقف في وجهه وتكشف عن قناعه الخبيث تُلغى، وتستبدل بألفاظ رقيقة وربما "مطّبعة"، وهذا ما تسبب في تردد كثير من الشباب في عرض مواهبه التي بقيت حبيسة أوراقه.
السبب في ضعف الثقافة في "طوباس" بل في فلسطين عامة، هو البعد الإيديولوجي "التغريبي" خاصة عند أصحاب القرار.
الثقافة مهددة في فلسطين!
لا يصل شيء من الدعم لأهل الثقافة والراغبين في إحياء ساحتها، الكلمة "مسيّسة" فما كان فيه منفعة سياسية تتأقلم مع ظروف الاحتلال يرحب بها وغير ذلك فلا.
وأما المهرجانات والمناسبات الوطنية والدينية التي تمر بها فلسطين وسائر الأمة العربية والإسلامية ،فلا يُرى منها شيئ، حتى الحديث عنها في المنابر والإعلام له حساسية. بل من يتحدث في ذلك يلقى عليه اللوم والعتاب، فكيف له أن يتدخل في شؤون غيره، وقد تناسوا بأن الأمة العربية الإسلامية جسد واحد، إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى!
حرب إسرائيلية لتجهيل الأجيال القادمة!
الاحتلال الصهيوني هو السبب الأول في إعاقة الحركة الثقافية في فلسطين والتضييق عليها، فالإسرائيليون لا يريدون لهذا الجيل أن يعرف الحقيقة، يريدون جيلا جاهلا، لا يطمح إلا إلى تحقيق مكاسب ظرفية، حتى عمّ الجهل في أوساط الشباب الفلسطيني، فأصبحوا يعترفون بدولة إسرائيل جهلا منهم، فهم يعملون في مزارع المستوطنات وتعمير البنيان في الأراضي المحتلة، فإذا سألت أحدهم: أين تعمل؟ يقول لك: في إسرائيل ولا يقول في الأرض المحتلة! وهذا راجع إلى السياسة المتبعة والممنهجة من قبل المحتل وأعوانه كي يتربى الجيل الجديد على فقدان الهوية والوطن.
أما ما يخص الوطن العربي في الظهور الإعلامي الداخلي، إنّ الحديث عنه يكاد يختفي، فكيف يتحدث الفلسطيني عمن حوله من أوطان العرب، وهو مكبل بأصفاد الرقابة في الحديث عن وطنه؟!
ومن المعروف أّن بعض الشباب يُمنع من السفر بسبب نشاطه وثقافته، فهو متابع خاصة فيما يكتبه وينشره عبر صفخات التواصل الاجتماعي، فحرية التعبير معدمة، فمن أين تأتي النهضة الفكرية والثقافية ما دام أصحاب القرار في غيّهم يعبثون بفكر الشباب يحطمون آماله ويخطفون منه أحلامه.
طبعا لا يمكننا القول بأن الثقافة معدومة عند فئة من الشباب، لكنهم مثقفون لأنفسهم فقط .
أين دور اليونيسكو؟
أما فيما يخص اليونسكو، فهي فقط تدعم حفظ التراث، ولا ندري مغازي ذلك وإلام تطمح في المستقبل، فقد مرت فلسطين بعصور مختلفة وفيها من الآثار ما فيها، فهي تسعى إلى حفظ ميراث القدماء. فمن يقدم لك شيئا اعلم أنّ شيئا آخر ستفقده في مقابل ذلك، فهل الأجنبي يعمل على حفظ التراث أكثر من الفلسطيني نفسه؟! هذا واقع نراه ونعيشه، حتما إنّ في الأمر مكيدة، وسوف تكشف الأيام الكثير لاحقا.
في "طوباس" وكل فلسطين الأبيّة مبادرات ثقافية اجتماعية تطوعية ، ولكن سرعان ما يتبعها أسر أو اعتقال وتضييق، خاصة إذا تعلق الأمر بنفوذ الاحتلال وأزلام السلطة المتعاونين معه.

 محمود دراغمة / طوباس فلسطين

معمر عيساني / الجزائر

تعليقات

الأكثر قراءة