راقصات مصر يجتحن فضائيات النايلسات!

         بعد سقوط نظام "مبارك"، أصبحت الظاهرة أكثر بروزا وانتشارا، ومع وصول الإخوان للحكم في مصر، أصبحت نوعا من "المعارضة" أسفل الحزام.. قنوات الرقص الشعبي، وعرض راقصات الملاهي والحفلات، انطلاقا من "التت" و"الأمل" و"بونسواري"، إلى "الفرح" و"دلع".. كلها وإن اختلفت التسميات تصب في مجرى واحد.. وهو الرقص الخليع وتشجيع الميوعة والرذيلة وسط الشباب، في مصر، والخليج وسائر الدول العربية، أصبح للقومية المصرية نكهة أخرى أكثر إغراءً..

يمكننا رصد التحول الإعلامي مع ظهور قنوات الرقص العراقية، وأهمها "غنوة" التي تم غلقها منذ مدة.. المُشاهد أصبح في وفرة من عروض الرقص وأجساد النساء المتمايلة.. لدرجة أن البعض "ترحّم" على "صدام حسين"، إذ نؤرخ للظاهرة إجمالا بسقوط نظام البعثيين في بغداد.. اكتملت الصورة لدى الرائي العربي، وتأكدت شهوانية أصحاب الضاد، بتلك الأكوام التي كانت تـُبث بُكرة وعشية، ليس همها إلا إخراج المكبوتات الجنسية، والتعرية لكل ما يمكن ستره..
في مصر.. من المتعارف عليه أن الرقص صنعة من لا صنعة له في أم الدنيا.. ومن المقبول جدا أن ترى أسرة حفية براقصة توفر لهم مدخولا ماديا بتقديم جسدها لرواد الملاهي كل ليلة.. بل يُعد هذا في عرفهم من الفن والحضارة والثقافة السياحية.. ولكن اللافت تحفظ المصريين ذاتهم في تصدير هذه "الحالة" إعلاميا علنيا لدى العرب على مستوى الفضائيات على الأقل.. فقد كنا نرى في أفلامهم ومسرحياتهم تمرير مشاهد مختصرة للرقص، يمكن حذفها بمقص الرقابة إذ لا تمت بصلة لفكرة الفيلم والسيناريو.
ولكن التغير الحادث منذ أكثر من عشرية، تسخير كل المُنتـَج الإعلامي لهدف واحد، كأن يكون حياة "رقاصة" أو إقحام الرقص عُـنوة في كل المشاهد وإن لم تقض الضرورة بذلك.. لنصل إلى درجة مشاهدة حفلة راقصة تتخللها بعض الحوارات لا غير، تحت مسمى "فيلم سينمائي" .. صدق "عادل إمام" في مسرحية "شاهد ما شافش حاجة" عندما سأله الضابط عن سبب سكنه بجوار راقصة وعدم سفره.. فقال: لو أن جميع من جاورته راقصة سافر، فستسافر كل مصر.. دلالة على تغلغل "ثقافة الرقص" في الشعب المصري..
الآن لا حرج مطلقا في عرض فيديوهات الرقص على مدار الساعة.. وأي رقص؟؟ نساء شبه عاريات، برقص ماجن كله حركات إباحية، ووضعيات جنسية يتم التركيز فيها على هز المؤخرة وتحريكها بكل جرأة، في دعوة واضحة للدعارة وتقبل الوضع الجديد في مصر، والقائم على رفض كل ما له علاقة بالتدين والحشمة، بدعوى معارضتهم للإخوان، هذه المعارضة بظاهرها السياسي المفبرك، وباطنها الماكر الهادف لتحطيم القيم في المجتمع المصري، حتى لا يُرجى منه أي نهضة.. ولا يمكن له قيادة أية وحدة عربية لإنهاء التبعية وإصلاح الأمة.. وترويج هذا القالب إلى جميع العرب في أقطارهم.
من الواضح في هذه القنوات دعمها للعسكري الانقلابي "عبد الفتاح السيسي"، بعرض صوره أعلى الشاشة وعرض الأغاني الداعمة لحكمه مصر.. هذا الذي أوقف المسار الديمقراطي للبلاد، وسجن رئيسا منتخبا ألا وهو "محمد مرسي"، وأدرج حركة الإخوان المسلمين في قائمة الإرهاب.. ما يعني علاقة "منطقية" بين مُلاّك هذه القنوات، والانقلابيين هناك.. والتقاؤهم في مصلحة واحدة وهي إخراج مصر من عروبتها، بل وإسلاميتها مسبقا.. لخدمة المشروع الصهيوني في المنطقة، وتوقيف أي حركة بإمكانها تشكيل خطر على أمن "تل أبيب".. فمن غير المعقول أن ننتظر فتحا مبينا وتحريرا للقدس من شباب يسجدون عند أرجل الراقصات ويقحمون أبصارهم ورؤوسهم في مؤخراتهن..
المال الخليجي له دور كبير في رواج الرقص المصري إعلاميا وسينمائيا، فقنوات "روتانا" الممولة من العائلة الحاكمة في السعودية "الوليد بن طلال"، والتي تعرض كل الرذائل، لا يمكن لـ"آل الشيخ" وسائر المفتين الحديث عنها، والأمر بإيقافها.. بل يمكنهم فقط الزج بالمغرر بهم للموت في سوريا لأجل أهداف وهابية إقليمية لا غير.. الإماراتيون لا يجدون هم الآخرون حرجا في دعم هذه "الدعارة المُعلـّبة" بكل تلك المنح التي تقـَدَّم لمصر جزافا بعد سقوط حكم الإخوان كمكافأة للانقلابيين.
عندما تستضيف إحدى القنوات راقصة مثل "صافيناز" وتجعل منها رمزا للثورة، وتؤكد على شجاعتها في إقامة حفلات راقصة إبان الأزمة وحظر التجوال، ثم نرى رقص هذه الساقطة لنجدها مجتهدة في هز أثدائها العارية عَلـناً وتحريكهم إلى أعلى وإلى أسفل ومدّ مؤخرتها ذهابا وإيابا.. نعرف حق المعرفة نوعية النخبة وصناع الثورة في بلد يسمى "مصر".. فئة قد يطلق عليها اعتباطا لقب "أهل الفن" إلا أن الفن الذي يدعونه من رقص وإغراء ما هو إلا طريقة شرعية لتمرير دعارة، يفضحونها هم بأنفسهم عندما يتبادلون التهم، ويتقاذفون بكشف فضائح بعضهم البعض.. فما رقص الكباريهات الذي يسمونه "مسرح فن" إلا دعاية لبداية عقد مواعيد حميمية في غرف الفنادق وفيلات رجال الأعمال وأمراء الخليج.
الرقص عند العرب ليس بالجديد طبعا.. فهو موروث شعبي يمكن اعتباره أدبيا فنيا حينها، راج كثيرا في الجاهلية وقصور الأمراء والملوك.. لكنه في تلك الفترة كان حِكرا على مالك تلك الراقصة فهي وغيرها جواري يحق للمالك حتى نكاحهن، والأمر كله كان يتم في الخفاء..
ولكن أن ندخل بالرقص إلى "الاشتراكية" ونجهر به فهذا هو المرفوض، وأن نجعل كل الرقص مجسدا في مؤخرات النساء كما هو الحال في رقص "المعلاية" الذي أبدعت فيه الخليجيات، فهو مؤامرة على العفة وترويج للفاحشة، هذه الفاحشة التي لم يحتملها حتى أهلها حينما قدمت الساقطة "هيفاء وهبي" فيلمها "حلاوة روح" بدورها المتمثل في "عاهرة" وتم منعه من العرض في مصر لأنه يدعو لممارسة الجنس ويحوي الكثير من المشاهد الساخنة دون أي مضمون فني.
ماذا يمكننا القول هنا؟؟ إذا نادينا الدعاة وطلبنا منهم التصرف حيال هذه الظاهرة، فهم مستهدفون قبل أي وقت مضى، ولا يمكنهم القيام بأي مبادرة في مصر، أما إذا رفضنا الفكرة فنيا فلها مستهلكون كُثـُر يجد فيهم أصحاب قنوات الرقص بيئة خصبة لبث سمومهم.. هي بالأصل لا تصلح مصر دون راقصات.. ولا تصلح مصر الرقص لأمة سمتها الدين والخلق.. للأسف هذه هي المعادلة النهائية في المشهد الختامي.
بقلم / معمر عيساني. 

تعليقات

  1. من الفساد الى ثقافة الفساد... من محاربته الى الاعتراف به بل وتمجيده أيضا ..لا يمكن أن نكون في تخلف أكثر من هذا

    شكرا لك أخي معمر على التدوينة الجميلة ..أخوك عامر

    ردحذف
  2. العفو أخي عامر.. إنه واقع مؤسف لدولة كنا نرجو أن تكون رائدة الحضارة بالنسبة للعرب.. لتصبح في النهاية مروجة فساد ورذيلة لها مستهلكون كثر..

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة