الإعلام الديني: إمامة الفضائيات، وفتاوى للمُعجبات


أصبح للمؤمنين محاريب فضائية عبر الساتل.. قنوات دينية تثبـّت القلوب، وتصل العالم بسُبل الإيمان.. وتبث في الناس معارف الشرع ولطائف التراث.. أما الشيوخ والعلماء فهم جلساؤنا في كل مساء، وأما تساؤلات الفقه، فجميعها سهل مباح..

منذ سنوات كانت قناة "اقرأ" الفضائية أولى المبادرات في مجال الإعلام الديني.. وتطور الخطاب الإسلامي ليشمل الإعلام المرئي، وتفتح الأبواب واسعة لكل وارد مدعي "للمشيخة" تحت عباءة الشريعة، واستبشر الجميع خيرا، واحتسبوه رادعا أمام الهجمة غير المسبوقة التي شنتها وسائل الإعلام النمطية على الفضيلة والأخلاق بالمسلسلات والأغاني الهابطة.
وأمام هذا السوق الإعلامي الجديد، سارع البعض إلى ركوب الموجة، وأسس عديد القنوات، التي تدعي "التدين" وحشدت أشباه الدعاة وأصحاب اللحى "المحددة" والمحلوقة، وراحوا يمنون الناس بصكوك الغفران، فتاوى على المقاس، وإجازات كما يهوى المعجبون والمعجبات..
سيطر "عمرو خالد" على بدايات الدعوة "الفضائية" ببرامجه على قناة "اقرأ" بدءً، وواجه حملة شرسة من أهل السلفية والوهابية خاصة، وجعلوا كتبه وأشرطته المتداولة ضلالا مبينا.. ورغم هذا اجتهد هذا الشاب الذي مثل انطلاقة متفردة في الدعوة الإسلامية، وقدم برامج كثيرة ومميزة للمتابعين، أهمها "صناع الحياة" في التنمية والتدين، و"على خطى الحبيب" عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.. ولا يمكننا إنكار مجهوده في هذا المجال رغم بعض ما وقع منه سهوا أو قصدا.. والله أعلم بالنوايا..
من ثمة برز "مصطفى حسني" ودعاة آخرون لم يبتعدوا كثيرا عن ستايل "عمرو خالد" وكاريزما تدين "الفاست فود".. يجمعون كمية من المعارف الشرعية والثقافية، ولسان رطبا، وشكلا أوربيا أو أمريكيا، في ديكور حديث، ومؤثرات صوتية، وعدد من الاتصالات الهاتفية المتواصلة.. ويكتمل المشهد ليصبح هذا "النجم الإعلامي" مرجعية إسلامية؟؟
لسنا ضد هذا النوع من التدين "المتلفز"، لكننا نريد تقصي الحقائق من وراء بارونات هذا الإعلام، الشيخ "كامل" وقناة "اقرأ" اتجاه مغاير تماما لما يعكف عليه في شبكة "إي أر تي" وما تبثه من فواحش ظهر منها أكثر مما بطن، الوليد بن طلال وقناة "الرسالة" ثوب آخر للرجس المعلن عبر قنوات روتانا التابعة لنفس الشخص.. وكأن رجال الأعمال العرب يعانون من مرض انفصام الشخصية؟؟
يستمر العمل الإعلامي "المتأسلم" وتبدأ أعراض الانسلاخ تحوم عليه.. فبعد أن كان لظهور المرأة ضوابط تحكمه، أصبحت بعض القنوات الدينية التابعة لعدد من الدعاة المعروفين في الساحة تعرض مفاتن النساء ضمن برامجها وفقراتها الإعلانية دون احتراز أو احتكام لمرجعية واضحة، فمن المذيعات الجميلات والمثيرات بأصواتهن، إلى عروض أزياء للمحجبات؟؟ إلى مشاهد لا تليق بمن يدعي "الدعوة". وهنا تتجدد "الشبهة"..
انقسم الناس بين أئمة الفضائيات، وأصبح لكل داعية جمهوره الخاص والمدافعون عنه، وهم بالمقابل ينزلون العلماء الآخرين منزلة أدنى من داعيهم الذي يبايعون.. وكأنه دوري كرة قدم؟؟ وتضاربت الفتاوى، وأصبح للصوت النسوي تأثيره في إصدار الأحكام الشرعية، بعيدا عن مقتضى الحال وظروف إصدار الفتوى، فليس غريبا أن تسمع إحدى المتصلات تبدي إعجابها وربما حبها للشيخ أو الداعية المسرور جدا أمام الكاميرا والحمرة تملأ وجهه.. حسنا نرجو الله تثبيت إخواننا وأخواتنا.. ولكن الذي يدعو الناس للهدى يبدأ بنفسه أولا ويتحاشى مواقف الفتنة..
رغم هذا لا يعقل نفي الجهد المبذول للارتقاء بالإعلام الديني، من خلال تحديث الصورة والكفاءات، وإخراج الإسلام من نمطية مسح الخفين واحتساء بول الإبل، إلى عالميته وإعجازه الكوني العلمي، وشموليته للحياة الاجتماعية للمسلمين كافة في مشارق الأرض ومغاربها.. وستكون هذه الثورة الإعلامية حجة علينا أكثر من كونها حجة لنا.. بانتشار الثقافة الدينية ووصول الدعوة إلينا ما سنؤول به مخيرين أ إلى الهدى أم الضلال نولي وجوهنا.. فقد أصبحنا الآن وسط هذا الزخم المعرفي الفقهي والروحي أدرى وأحرى بأن نتبع الحق.
بقلم / معمر عيساني.