اللّقيط والأستاذ


وأنا أتصفح الفايسبوك كعادتي أجد بإحدى الصفحات “المشهورة” صورة كاريكاتيرية وقحة وقاحة ما ألمّ بهذا الوطن من لقطاء يدّعون فهم كل شيء وأيديهم مكبّلة لا تصنع مثقال ذرة من خردل لهذه الأمة.. وأقصى ما يحققونه منشورات وهمية لجمع “جامات” المراهقين والتائهين!
صورة تجسد الأستاذ على شكل “حمار” يمسك سيجارة! والطالب يترجّاه ليصحح له ورقة اختباره لأن إجاباته صائبة! لحد الآن سيلقى هذا الرسم “النشاز” تعاطف كثير من الطلبة الذين يقصِرون وجودهم في الجامعة أو الثانوية أو غيرها على النقاط، وقد يتجاوز عنها معشر من الأساتذة كونها تعبر واقع ما شئنا أم أبينا.. لكن الخزي والعار كله، كيف لنكرة تعلّم الرسم الكاريكاتيري عبر يوتيوب أو نقلا عن الجرائد أن يشوّه صورة “الأستاذية” بهذا القبح؟
من المؤكد أن هذا الرسام ذاته لو جسد “كولونيل” أو حتى “سارجان شاف” على هيئة حمار ببدلة “العسكر” أو “الدرك” لكان أسفل “الدرك”! وما كان أهله ليعرفوا أي قرار طرحوه ومثّلوا بمؤخرته حدّ الاحتضار.. لكن، ولأنها تتعلق بأستاذ من بين آلاف الأساتذة الذين شغلهم الراتب والمفتش والبحوث والإضرابات وحتى الحافلات.. فلا ضير في أن يُشوَّه ويكون أضحوكة أمّة ضحكت من جهلها الأمم.
لا خير في قوم لا يُجلّون أساتذتهم وعلماءهم، ونحن أحوج لما يكِلُنا لركن من الوعي والتغيير للأحسن، هؤلاء النّفر الذين وإن قصّروا وأخطأوا فقدرهم محفوظ وصورتهم لابد أن تبقى مقدّسة لا تطالها قاذورات المتسرّبين أو حتى المتخرّجين الذين انسلخوا عن أخلاق ما كان من الضروري أن يُأصَّلوا به، فباتوا رعاعا بشهادات كرتونية خالية من أي نضج عقلي!
هذه الرسمة الكاريكاتيرية ماهي إلا انعكاس لتخلّف عامة الشعب المزمن، التي تسارع للسخرية من الأستاذ، واعتباره رجلا انتهازيا مارقا مضربا أو حتى مغفلا بخيلا، وهذه السوقة ذاتها عجزت في نظامها “الأسري” عن تربية أبنائها والنجاح في زواجها، ففرّخت أجيالا لا تؤمن إلا بالجريمة والزنا والتحرش والطّلاق!
بقلم / معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة