حوار مع الشاعر أحمد بهناس

الشعر رسالة مقدسة وليس ظهورا في المناسبات،
و"العشق المسفوح" هديتي لقرائي في معرض الكتاب

1 ــ في البدء من هو "أحمد بهناس"؟
أحمد بهناس أبوريان، ولد في "بنهار" عين وسارة، نشأ في حاسي بحبح. ودخل الكُتّاب وحفظ أجزاء من القرآن الكريم، وعدة متون في النحو، والفقه، ثم انتقل إلى المعهد الإسلامي ببوسعادة سنة 1965، وحضر عدة محاضرات لعلماء من الأزهر، على رأسهم الداعية: متولي الشعراوي. وفي سنة  1967 اشتغل بالتعليم إلى سنة 2009 أستاذا ومديرا ومستشارا ومفتشا.
تزوج ستّ نساء طلّق منهن خمسا، وله ثلاثة عشر ولدا.
شارك في تأليف كتب المدرسة الأساسية، وفي تجربة تأليف الكتاب شبه المدرسي، بالإضافة إلى الملتقيات المتعددة والمختلفة المواضيع.


2 ــ اشتغلتم في التربية والتعليم، كيف كانت التجربة؟

التعليم مهنة مقدسة، ورسالة سامية، ونحن في وقتنا  خضناها بعزيمة وحب، وكنا نشعر بأهمية رجل التعليم، وقيمته في المجتمع، ولذلك لم نكن نفكر في الجزاء المادي أبدا، وكنا نشعر بالبركة والفضل فيما كنا نتقاضاه لأنه كان كافيا جدا، ولا نحس بالحاجة مطلقا، ولا ننظر إلى غيرنا من الذين اغتنوا، إنما كان ديدننا تعليم الطلبة وإيصالهم إلى المستوى المرغوب وتهيئتهم إلى مستوى طلب العلم والرغبة الزائدة فيه..
وكنا نشعر بأننا نكمل النقص الذي تركه المجاهدون بعد الإستقلال، وهو الجهاد بالقلم بعد ما جاهدوا هم بالسلاح.
أما التفتيش فكان في البداية منصبا ذا أهمية كبيرة ، لأنه يكمل النقص الذي يعاني منه المعلم، وخاصة في الجانب البيداغوجي، ولذلك كانت الندوات التربوية تقام على مدار السنة يتلقى فيها المعلمون كل أنواع الدعم المادي والمعنوي من قبل رجال خاضوا تجربة التعليم ثم تكوّنوا في هذا الميدان، وهم يتلقون عنهم كل المعارف اللغوية وتعليمية المواد.
كانت تجربة التفتيش غنية جدا بالنشاطات، وكان الوزير آنذاك يستقبل المفتشين مرتين في السنة، ويتحاورون معه ويخرجون بنتائج جد إيجابية..كلها تصب في صالح المنظومة التربوية التي انبثقت عنها المدرسة الأساسية التي هي إنتاج جزائري محض وتجربة محلية لن تظفر الجزائر بعدها ببديل يحل مشاكل الاغتراب والإستلاب المستحكمين في الوقت الراهن. إلى أن جاء الوزير ابن بوزيد، فجعل سافلها عاليها، وهاهي ذي "بن غبريط" تأتي بخلطة جديدة أخرى.

3 ــ هل أثرت الوظيفة واختصاصها في تجربتكم الشعرية ،ودفعتكم للشعر ؟؟

بدأت الكتابة وقرض الشعر وأنا في المعهد طالبا، ثم واصلت ذلك بكتابة القصة القصيرة والانطباعات، إلا أنني لم أكن أدوّن ما أنتج، حيث أثر علي انخراطي في حزب جبهة التحرير الوطني فكنت مغرما بكتابة التقارير الحزبية في قسمة الحزب والإتحادية، ومهمة التفتيش، ولم أعد بصفة رسمية إلى موهبتي إلا بعد تقاعدي سنة 2009.

4 ــ ديوان  "العشق المسفوح " من المحتمل أن يكون حاضرا في المعرض الدولي للجزائر [ 26 أكتوبر 2017 ] لماذا هذا العنوان ؟؟

اخترته من إحدى القصائد التي عنونتها ذات يوم بهذا العنوان، وهو لقصيدة فيها بوح، وذكريات جميلة وتعيسة في الوقت نفسه. هذا العنوان عبارة عن  العشق الذي ينتهي نهاية فاشلة هدرا، فهو مسفوح، وهومن الجانب الديني سفاح أي حرام.. وكلا المعنيين تمثلهما كلمة : مسفوح.
وبما أن أغلبية ما نراه اليوم يحدث بهذه الكيفية فكان هذا العنوان .

5 ــ ما مواضيع هذا الديوان  ؟

أما القصائد التي يحتويها الديوان الجديد " العشق المسفوح "فهو كسابقه فيه تنويع في الأغراض والمواضيع، ولكن الغالب هو الغزل ، ولكن الجديد فيه هو تجربة :" الموشحات " حيث نظمت قصائد على منوال الموشحات، ذات مواضيع صوفية

6 ــ هل من إصدارات سابقة أخرى؟؟

بالنسبة للإصدارات السابقة، نعم يوجد ديوان" الصدى الجديد " يضم 48 قصيدة في مختلف الأغراض، والغزل فيه هو الأغلب. وقصائده تختلف طولا وقصرا بحسب أهمية الموضوع المطروق وهمة الشاعر.
صدر الصدى الجديد السنة الماضية ووافق صدوره معرض الكتاب الدولي، فبعته هناك، ونشطت بالمناسبة عدة حصص في إذاعة الجزائر الدولية فتحدثت عن الشعر وعن المقروئية ،وتحدثت عن الناشرين وغلاء سعر الكتاب ،وعدة مواضيع أخرى كلها تصب في الميدان الثقافي والعلمي.

7 ــ أي الأنماط الشعرية تجد نفسك فيها، وما رأيك في الشعر الحر ؟؟

أنا أنقرض الشعر العمودي المقفى، وهذا اللون هو الذي أحبه وأهواه، ولا أجد عنه بديلا.
غير أن هذا لم يمنعني من محاولة التجربة في غيره، وخاصة شعر التفعيلة، وتوجد لدي قصائد من هذا الأسلوب .
إلا أنني أصارحك أن الشعر الحر لا أفهمه ولا أدرك معانيه نظرا للخلط الذي أجده فيه فيشوش علي ملكة الفهم فأتجنبه وأبتعد عنه في كثير من الأحيان، وإذا كان شعر التفعيلة مقبولا جدا فإن الشعر الحر أو النثري لا يمكن تسميته شعرا، إنه نثر شاعري وفقط وليس شعرا، هي تجربة لم تستحكم أدواتها بعد، وربما مع المستقبل يؤصل لها الأسلوب فيكتب له الرواج ثم النجاح ثم البقاء. ومن يدري؟

8 ــ هل من لمسة خاصة في شعر :" بهناس "؟؟

من أدب الحديث عن النفس أن لا يبالغ الإنسان في وصف نفسه بكل جميل وحسن، فهذا يعتبر أنانية ونرجسية مذمومة، ولكن مع ذلك أقول: أن شعري يمتاز بجزالة اللغة ونصاعتها، والتنوع في الأساليب في القصيدة الواحدة، وربما يعود  الفضل في هذا إلى ولعي بالتراث القديم نثره وشعره من عيون الأدب وأمهات الكتب والمصادر القديمة.
وما يلاحظ عن شعري أن القارئ يجد الخطاب فيه متنوع، والأسلوب الخبري هو الطاغي على القصيدة مع شرود أحيانا ولكنه قليل بحيث يتم الرجوع بسلاسة فائقة إلى الموضوع الأصلي، وأحيانا أعتمد التكرار وهو أسلوب ورثته عن عملي الدراسي فأثر في شعري.

9 ــ المسابقات والتظاهرات التي شاركت فيها ؟؟

حضرت ملتقيات أدبية عضو ملاحظ لا يشارك ولا يعلن عن نفسه لا حقيقة ولا ادعاء. وفي الملتقيات التربوية كنا نقيم الأمسيات الشعرية فكنت أحد منشطيها بشعري وبمداخلاتي.
أما ملتقيات وزارة الثقافة فشاركت في قليل منها ثم قاطعتها لما لاحظت قلة الاهتمام والمحاباة التي تسود عملها، بحيث كان المتطفلون على الشعر أكثر من الشعراء والفنانين، ولم أزر مديرية الثقافة بالجلفة لمدة تجاوزت خمس عشرة سنة نظرا لاختلاف وجهة النظر وطريقة التسيير.
ومنذ تقاعدي شاركت في كثير من الملتقيات، وألقيت قصائدي دون ترشيح نفسي للمسابقات التي أعتبرها تمس بشخصي كشاعر متخلق يقف عند حدود معينة لا يتجاوزها، وعينت عدة مرات كعضو في لجنة التحكيم على مضاضة، ومرة رئيس لجنة في خنشلة.
أما الجوائز والتكريمات فهي كثيرة محليا وخارج ولايتي ولله الحمد والمنة على هذا، وأقل من هذا كفاية، لمن له فهم ودراية ،
والشعر متنفس ورسالة مقدسة ورؤية في الحياة والإجتماع ، وليس تكسبا وجوائز وظهورا في كل مناسبة أو تجمع أو احتفال.

10 ــ من هم ملهموك وعرابوك في الشعر؟

أنا ككل كاتب وشاعر، أحسست ببصيص من موهبة تطل برأسها، كالحية مرة على مرة فتركت لها المجال مفتوحا لتخرج وتبرز على الركح. غير أن هذا لا يمنع من أن دراستنا للشعر في عصوره أثرت فينا، وتركت بقايا من تأثيرها يروب ويختمر ليعطي زبدة بعد المخض تقل أو تكثر.
أكثر قراءتي للشعر وتأثرا به كان المتنبي وأبو نواس دون منازع لهما، وأمتلك في مكتبتي أكثر من ستين ديوانا تمثل كل العصور والفترات على أن هناك قصائد معينة لها تأثيرها الذي لا يبارى فتجد نفسك متأثرا بها تحفظها و تتغنى بها في كل المناسبات، وخلاصة فأنا أحب كل قصيدة أعجبتني وكل بيت له هوى في نفسي ولا أتقيد بشاعر أو عصر أو فترة معينة.

11 ــ وأنت في التقاعد..هل لازال بهناس أحمد ذلك الشاب المتوهج بالعاطفة والكلمة المستعرة، أم أن السنين ألبسته حلة وقار أخرى؟؟

لالا ..الحمد لله أن التقاعد منحني كثيرا من الوقت لمراجعة الذات، ولتقييم نفسي التي كانت متهالكة أحيانا حتى على التوافه من الأشياء.
فراجعت القرآن الذي نسيته وأحكامه، وكتبا فقهية أخرى، ثم أخرجت كراساتي من الحقائب فبدأت أنفض الغبار عنها وأصحح وأنقح ما رأيته صالحا، وأمزق وأحرق ما رأيتها طالحا، وخيرت نفسي بين الاتجاه إلى القصة أو الشعر، فكان هاجس الشعر أقوى فاتجهت إليه.
مازالت عاطفتي متوهجة كما عهدتها في نفسي، وإنما الأساليب تختلف من هذه إلى الأخرى نظرا لكثير من العوامل المختلفة وما أكثرها.
أما الوقار فشيئ طبيعي،  ويتم عفويا دون افتعال ولا تصنع، فهو من الخلال الكريمة والشمائل النبيلة في نفس كل مسلم.
ولكن لا ينبغي أن يكون الشيب والوقار من العيوب التي  تعيرنا بها النساء . فالوقار سلوك وسمت، وليس كبر سنّ وشيخوخة، ثم إن شيخوخة السن والجسم لاتعني أبدا شيخوخة القلب الذي يظل ينبض حبا إلى أن يسكت نهائيا.
عيرتني بالشيب  وهو وقار // ليتها عيرت بما هو عار.. ههههههههه

12 ــ هل هناك فارق حقيقي بين الشعراء المشارقة والمغاربة ؟؟

الشعر لا يختلف بين شاعر وشاعر أو بين مشرقي ومغربي إلا بالموهبة والملكة وامتلاك الوسائل والأدوات.. ثم إن المشارقة عاطفتهم قوية جدا نفاذة لها حضور بديهي، ولها صنعة متقنة بحيث يتقبلها مثقفوهم ويرعونها وتكون هي السائدة في احتفالاتهم وأمسياتهم، وهذا يعود إلى قدرة الشاعر على تمثيل المواقف وإعطائها حقها بداية من الإلقاء ونهاية بما يتوجسه المستمع ويتلهف عليه، وباختصار فإن المشارقة شعرهم أقوى عاطفة وأشد تغلغلا في أعماق قارئيهم، وشعر المغاربة بارد العاطفة أحيانا بعيد عن المستمعين والقراء، غير متغلغل في النفوس، وهذا يعود إلى شخصية المغربي الذي يكاد لا ينزل من برجه العاجي.

13 ــ كلمة للشعراء الجزائريين.

الشعر بمفهومه الحالي، ينبغي أن يكون حامله وناظمه فوق الشبهات والظنون، وأن لا يجرفه تيار الرداءة والفساد، فيهوي به إلى مستوى الهرف والادعاء والذاتية الجوفاء التي لا لبَّ فيها ولا فائدة.

14 ــ بعيدا عن الكتابة ،هل من هوايات ،ومواهب أخرى ؟

من هواياتي التي لازمتني منذ شبابي حب السفر، فكنت أبحث عن الأسباب والمبررات لتدفعني إلى تحقيق هذه الهواية، فقد زرت المغرب سنة 1970، ثم تونس سنة 1974 ووقفت على قبر الشابي رحمه الله في توزر وقرأت عليه الفاتحة ،منشدا قوله في عزة وشموخ:
" سأعيش رغم الداء والأعداء // كالنسر فوق الصخرة الصماء ".
ثم توالت رحلاتي إل أروبا  الغربية وبعضا من الشرقية آنذاك ثم بقية الدول العربية دون انقطاع، بما فيها السعودية من أجل أداء منسك العمرة.
وكنت أهوى الصيد فانتسبت لزمرته مدة خمس وعشرين سنة متواصلة، فكل عطلة أسبوعية أقضيها في الفيافي والجبال.
وأحب السهر والسمر والأغاني والموسيقى والبحر في منظره ولججه المتتابعة، فيجعلني أشعر بالراحة والإنعتاق من صخب المدينة ودخانها.

15 ــ ماهي أمنياتك ومشاريعك الأخرى المستقبلية ؟؟

لي عدة مخطوطات غير منقحة في الوقت الحالي: "فضاءات من حياتي" في جزأين ينتظران التصحيح والتنقيح ثم النشر، وهما عبارة عن مذكرات منذ ولادة أبي وأمي إلى هذا الزمان الذي أعيشه الأن، تكلمت فيهما عن الحرب العالمية الثانية مرورا بالثورة الجزائرية مراعيا تسلسل الحوادث والتفاعلات يوم كانت الجزائر فرنسية إلى الاستقلال، وبناء الدولة الجزائرية، ثم ولادتي ودراستي وعملي وكل الأحداث التي مرت بخيرها وشرها مع تحليل نفسي وتركيز على المتغيرات والنشاطات والصدمات ثم المنظومات التربوية المتعاقبة ودوري في كل واحدة منها، مع إبداء الرأي الشخصي بكل وضوح وشجاعة أدبية مراعيا في كل ذلك العدل والإنصاف.
كما أنه يوجد مخطوط آخر يتعلق بالتربية بين الإسلام والحداثة، ومخطوط آخر يتعلق بأشتات المواضيع سميته: " أشتات دون روابط " أما المراسلات الأدبية والخطابات والحوارات فتركتها كماهي دون تنظيم ولا تنقيح نظرا لكثرتها.
أما أمنياتي فأكاد أجزم لك أن أمانيّ قد جفت ينابيعها، وأصبحت أحلم بشيئ واحد هو الصحة والعافية لأنجز ما أريد إنجازه وأنشر ذلك بين القراء تحقيقا لرغباتي الذاتية ونيتي في توصيل أفكاري إلى الغير عسى تنفعهم تجاربي التي مررت بها.

16 ــ كلمة أخيرة.


كلمتي الأخيرة في هذا الحوار الشيق الهادف هي: أوجه شكري للسيد الصديق "معمر عيساني" وموقع "دزاير توب" الذي اختارني من بين أصدقائه الشعراء والكتاب، وما أكثرهم ليجري معي هذا الحوار الظريف اللطيف.


حاوره: معمر عيساني.

تعليقات

الأكثر قراءة