سؤال: هل الرّافعة التي سقطت في مكة وهابية أم إخوانية؟

انتقد البعض منشوراتي الطاعنة في قدرة آل سعود على تنظيم الحج، واعتبروا اقتران حادثة سقوط الرافعة في الحرم المكي بالمذهب "الوهابي" سفاهة وزيغا في الدين.. ووجب التوضيح وحتى التصريح في هذا الشأن كون المسترجلين بأقلامهم أباحوا لأنفسهم توجيه الشرع حيث شاءت أهواءهم، ولم يستقروا على رأي لنعرف انتماءهم.

الـ107 قتلى والـ200 جريح الذين راحوا ضحية سقوط رافعة البناء في الحرم المكي قبيل بداية مناسك الحج يتحمل مسؤوليتهم منظمو الحج وأمير منطقة "مكة"، لأنهم لم يتخذوا أي إجراء لحماية الحجيج بعد تحذيرات "الدفاع المدني" من هبوب رياح قوية وأمطار تشكل عواصف هوجاء، وحقا ساءت الأحوال الجوية، وشاهد الملايين صور الفيديو التي أرّخت لحظات مرعبة عاشها من قصد البيت الحرام مساء الجمعة الأخير من ذي القعدة.
كان من الضروري عدم إبقاء الرافعات المحيطة بالحرم منصوبة ذلك اليوم، أو على الأقل تثبيتها أكثر أو خفضها قدر اللازم، وكان بالإمكان الحد من زوار المسجد الحرام ساعة المغرب تزامنا مع العاصفة.. سيقول البعض أن "مكة" اعتادت وقوع حوادث أدت لمقتل الكثيرين طيلة السنوات الماضية، وهذا ليس مبررا لجعلها عادة "إسلامية" بحشد الجثث كل سنة، وكأن الموت في حادث أصبح من مناسك الحج!!
حين متابعتي لهذه الحادثة عشية وقوعها لاحظت تغافلا مشبوها من طرف بعض وسائل الإعلام المحسوبة على "المال السعودي"، فلم تجاوز القنوات الإخبارية "النقل" للخبر دون تحليل وذكر للمسؤوليات، كما لم تكلف نفسها قنوات "روتانا" و"mbc" عناء وقف برامجها احتراما لأرواح الموتى بل استمرت في عرض الأفلام والمسلسلات والأغاني ساعتها!
هنا اشتد غضبي وتذكرت مدى "الولاء" الذي يُكنّه علماء الحجاز لآل سعود، وأحرق قلبي صمتهم طويل الأمد على سياسات الرياض المُطبّعة مع الكيان الصهيوني والمثبطة للمقاومة بمحاصرة حركة "حماس" في "غزة" بساكنيها انتقاما منهم لاختيارهم "رفض" المشروع الانبطاحي.. أين هو "آل الشيخ" مما تنتجه وتعرضه كبريات الفضائيات التي يموّلها أمراء السعودية؟؟ أليسوا هم أكثر مروّج للفاحشة في الأمة الإسلامية؟؟
"الرافعة" التي قتلت الحجاج ليست "وهابية" ولا "إخوانية" وإنما هو قضاء الله ومسؤوليات إدارية فنية بعيدة عن الدين، ولكن تضميني للمذهب "الوهابي" في القضية لم يكن إلا نَتاج سلوك الإعلام مع المأساة.. وهنا أضع خطوطا عديدة تحت مصطلح "الوهابية" وأؤكد أني لا أُكِنّ عداوة لأي مسلم مهما كان مذهبه، ولا أنكر فضل "محمد بن عبد الوهاب" في إعادة التوحيد إلى جادة الصواب بعد انتشار مريع للشركيات في زمانه، وإني لأقرب الناس في أفكاري للسلفية، وقارئو مواضيعي يدركون ذلك تمام الإدراك.
وإذا ما كنت مستعملا لكلمة "وهابية" فإنما هي إشارة مني للذين أتوا من بعد "ابن عبد الوهاب" وجعلوا من الفقه رباط أمان للملك وحاشيته في "الرياض".. احتجاجا مني على سياسة الكيل بمكيالين في الإفتاء حول مجمل القضايا الكبرى التي تصنع مصير الأمة من احتلال "القدس" إلى سقوط "بغداد" وصولا إلى الحرب في "الشام"، كما أني لست الفقيه الذي يحكم على صوابية المذاهب وخطئها، بل أبني أفكاري وآرائي على ما ظهر لي من وقائع وسياسات ميدانية.

نسأل الله الرحمة والجِنان لمن سقط "شهيدا" في حادثة "مكة"، ونرجو الله عز وجل أن يحفظ حجاجنا الميامين إلى حين عودتهم إلى أوطانهم سالمين من كل أذية..
بقلم / معمر عيساني