اللغة العربية لا تتشرف بكم!

يشعر المحافظون في الجزائر بالتهديد في مقومات وجودهم بعد القرارات "العدائية" لدى وزيرة التربية "بن غبريط" اتجاه اللغة العربية من خلال إصرارها على إدراج "العامية" في التدريس خلال بداية الطور الابتدائي، في الوقت الذي استبشر فيه التيار "الفرونكوفيلي" بهذه المبادرة في دلالة واضحة على وجود حرب باردة بين ما نستطيع تسميته الإسلاميين من جهة والعلمانيين من جهة أخرى..
مشكلة "العربية" ناطقوها، فهم متحجرون لدرجة سمحت لحثالات المفرنسين بالتطاول على ثوابت الأمة الجزائرية.. فخزنة التراث لم يكلفوا أنفسهم عناء تطوير لغة الضاد، وبقوا على ما هم عليه من فضاضة وغرابة، وأهملوا تعميم استعمالها فتركوها للرسميات وليس للتواصل وهو الأصل.. أما لقطاء باريس فقد برعوا في تعميم لسانهم وتحويله من قواعد صعبة وجُمَل صلدة إلى مظهر من مظاهر الرقي والمشاعر الجميلة، ونزلوا بها إلى أدنى ما يمكن من التواصل ليرتفعوا بالعوام في سلم "هيجو" ويجعلوا منها أسهل ما تطاله أفواه الجزائريين حينما يخاطبون بعضهم بعضا.
"بن غبريط" ترى أن الفصحى عقبة أمام تلاميذ الابتدائي لتحصيل المعارف في الوقت الذي جعل منها صناديد جمعية العلماء المسلمين إبان الاحتلال الفرنسي مسلكا لاعتلاء درجات العلم والثقافة، فكانت ترسخ في ألباب أوائلنا في الكتاتيب على ما كان فيها من بساطة وحرمان.. أما اليوم في زمن الإنترنت والتواصل السريع وتيسير تلقي المعلومات في أقل جهد ممكن، أتت الأصوات الناعقة بصعوبة لغة لم يستطع كلاب ديغول أن يسكتوها، فكيف بأبنائه غير الشرعيين؟
ألقوا بالعربية إلى الشارع يحتضنها الشعب.. ذاك الشعب الزاهد في استعمالها لا لشيء إلا لتخلي من اعتبر نفسه مسؤولا عنها عما كان يجدر من اهتمام وترقية وتعميم.. فانطلاقا من شوارعنا التي لم تعرف الاستقلالَ بعد في تسمياتها الفرنسية، وانتهاء بمعاملاتنا في الإدارات والتجارة و"الإتكيت" وحالة الانبهار التي جعلت جميع من يعاني من مركب نقص وعجز في الانتماء ينطق بها ويحسب أنها تمام التحضّر، ضعنا وأضعنا لغتنا ووأدنا كل تلك الأدبيات الموروثة.. وكفانا إثما ما تخرّجه كليات الأدب من قلة أدب!
ومع تنامي العداء اتجاه "العربية" وكل ما هو "إسلامي تراثي" لدى طوائف شاذة أخشى أن تصيب عدواها من كنا نحسبه على هدى، نجد في ذات الوقت اهتماما غير مسبوق لدى الغرب بلساننا المبين ومضامين قرآننا وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم.. مشاهد تدخل السرور إلى القلب.. وتؤكد أن ما نعتز به من انتماء لا يتشرف أصلا بقذارات النخبة التي تدّعي الرقي بغير دينها وأخلاقها.. مصداقا لقول الله عز وجل: "وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" ـ آل عمران:176 ـ.

بقلم / معمر عيساني

اقرأ أيضا:

عملية شارلي إيبدو.. طاحونة الإعلام الموجِّه

الفرق بيننا وبين إسرائيل

لنتحدث قليلا عن المسؤولية.

لاجئ سوري يُهين الجزائريين

عائلات الشهداء في الجزائر تدفع ضريبة الوطنية في زمن الحرية!

المشاركة الرابعة في المونديال..العهدة الرابعة في البال

تعليقات

  1. ملاك الرحمن14/8/15

    حفظك الله على مقالك هذا ...ولا تنسى أن المجرم الأوّل في حق اللغة العربية هو الأستاذ بحد ذاته الذي فتح باب العامية مع طلبته وزملائه

    ردحذف
    الردود
    1. الأستاذ عليه مسؤولية تعليم الأجيال استعمال اللغة للتواصل والإبداع وليس للقواعد والاختبارات

      حذف
  2. غير معرف14/8/15

    لا ار الخطأ أن يبدأ المتعلم بالعامية وهناك من يدرس بها دون قرار

    ردحذف
    الردود
    1. الذين يدرسون بالعامية يهدمون عرش العربية.. لأنهم يورثون في الأبناء تهميش اللغة.. كما أن التدريس بالعامية فلابد ألا يتعدى اللجوء إليها في الضروريات لا غير

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة