خيانة الوطن لا تستوجب احتلالا!

          بالأمس احترف أذناب الاحتلال من بني الوطن قهر إخوانهم وتتبّع أعمالهم الثورية لإحباط محاولات الاستقلال وتحقيق النصر، وهم في ذلك نتاج ظروف قد اضطرتهم للعمل خارج السرب وانتهاج صفة الخيانة والعمالة انسلاخا من انتماءاتهم وكل ما قد يعتبر به الإنسان ضميرا ومبدءا.. اليوم ونحن نتنسّم عبير الحرية دون قيد ولا ضغط، يُولَد كل يوم ألف خائن وعميل، لا يرتدي "برنوس" المذلّة لكنه يدرك تماما أين تُملَأ الجيوب وتُشحَن الأرصدة.. هم الخونة الجدد.

"حركي"
يقول أحد الأصدقاء أن "الحركى" وجميع من خان قضية الوطن لم يذهب لسبيلها إلا مرغما لا بطلا، فالظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة والقبضة المحكمة للاحتلال جعلت منهم طالبي خلاص وانفراج، وتحقق لهم ذلك أمام المغريات التي قدمتها أيدي المستدمرين، فما كان منهم إلا الزيغ وغرقهم في أعمال يندى لها الجبين، من وشاية بالثوار ومشاركة في التطهير العرقي والقتل العشوائي لأبناء ذات الوطن..
وبعد انقضاء الاحتلال وعودة الأنذال إلى أوطانهم في أوربا، تربّع المنتصرون على سدّة الحكم، واقتسموا غنائم الحرب، وابتدؤوا عهدا جديدا انتظره المقهورون طوال سنوات لأجل أن يحيوا حرية افتقدها أسلافهم.. ولكن حدثت القطيعة وانقلب كل شيء!!
تضحيات آبائنا وأجدادنا
فكما هو معروف في الجزائر، تقاتل المجاهدون فيما بينهم حين الاقتراب من النصر، وحدثت تصفيات "مخجلة" لحساب فئة على أخرى، والتاريخ ثمل بأخطاء لا يجدر بمن وهب نفسه للجهاد بأن يرتكبها، لدرجة أنهم استباحوا عرض أرامل أصدقائهم الشهداء، وجعلوا منهن فراشا للوطء دون شرف ولا حِلّ، ليتركوهن في مهب الريح لا حماية لهن ولا لأبنائهن، وخيرهن كما يقول أحدهم، وُظفت عاملة نظافة في مصلحة إدارية.. لا لشيء إلا لأن زوجها ضحّى بنفسه لأجل وطن جعل من زوجته شبه "مومس" في أروقة التنظيف والهوان!!
اليوم وبغض النظر عن الكمّ الهائل من التجاوزات التي صنعت بشكل "هجين" هذا الوطن، نعيش حالة من الفوضى السياسية والعفن الاقتصادي على يد لقطاء النظام، فبدءا من كبار المسؤولين الذين لا همّ لهم إلا شراء العقارات في أوربا وأمريكا، وانتهاءً بصغار المقاولين الذين يسرقون الملايير من مجرد حُفَر في الطريق أو سكنات اجتماعية "هشّة" ضاعت هيبة الوطن، وتبددت خيراته، وانهارت رؤى مستقبله بأن يكون في مصاف الكبار، فلا يعدو أن يكون اليوم شركة متعددة الأسهم للصوص وقطاع الطرق..
حرفة الخونة الجدد والشياتين
الجزائر التي قدّمت تنازلات "تاريخية" لشركة "رونو" الفرنسية لم تعد تلك التي جاهد لأجلها الأمير عبد القادر ولا تلك التي حلم بها ابن باديس والإبراهيمي، جزائر اليوم سيغض العربي بن مهيدي البصر عنها إذا ما بدت أمامه سوءاتها.. جزائر اليوم امتلكها خونة باعوا عزتها ومجدها بثمن بخس ملايير معدودة، لسانهم وهواهم وتفكيرهم فرنسيّ "كولوني" محض.. خونة أسوء بكثير من خونة الأمس، فإن كان "الحركى" زمنَ الاحتلال فعلوا ما قد اقترفوه تحت طائلة الضغط والجوع والفقر والقهر، فخونة اليوم في عِيشة هنيّة وفسحة من الرزق والحرية.. لكنهم أصروا واستكبروا وبغَوا عُتُواّ وظلما من تلقاء أنفسهم دون أي ضغط، فهم يتحملون المسؤولية الكاملة عمّا آلت إليه البلاد من تخلف وهلاك لمقدّراتها التنموية.
ليس شرطا أن تعتبر الخائن وليد احتلال سافر، فقد يكون مليئ الفم بمناشير الوطنية وصرخات تمجيد الثورة، لكنه منافق كذّاب، يقتات من "العمالة المقنّعة" دون أن تعلم، وقد تعلم وأنت ساكت عنه كشيطان أخرس.. خونة اليوم سلّموا البلاد بأكملها لفرنسا دون أن ترسل "باريس" جنديا واحدا، خونة اليوم جعلوا الصحراء بيد "الإليزيه" و"المرادية" بحقيبة وزارة الخارجية الفرنسية.. خونة اليوم نقضوا عهد الشهداء وتخلّوا عن مبادئ الثورة وجعلوا من بقي من المجاهدين الحقيقين لا المزيفين فقراء يرعون الغنم في الجبل دون اعتبار لتضحياتهم في الوقت الذي لم تتخلى فرنسا عن عملائها ومنحتهم كل الحقوق والامتيازات... هذه هي جزائر الشهداء والخونة!!
بقلم / معمر عيساني.

اقرأ أيضا:


عندما نتجاوز المعارضة و الـDRS وبوتفليقة

اعطونا سُكنة ورجعوها ديكتاتورية

عائلات الشهداء في الجزائر تدفع ضريبة الوطنية في زمن الحرية!

عندما يُغادر بوتفليقة قصر المُرادية

شكيب خليل: عندما تـُـرمى الوطنية في القـُمامة

لماذا لا تتحرك الدولة حتى يُحركها الشعب؟

 
 

تعليقات

الأكثر قراءة