سوريا.. عبء الثورة وتوديع الممانعة


             انتقلت الثورة في بلاد الشام من رغبة في التحول الديمقراطي إلى تصادم إقليمي، ومجزرة ترتكب في حق الشعب السوري أمام الملأ بتزكية "قومية" تقودها قطر والخليج، ورقابة "وطنية" يوقعها حرص "بشار الأسد" على نفوذه ورؤيته "اللامفهومة" لموقعه السياسي من دمشق، أما المنهج المفتعل للربيع العربي المنحرف في تركة العثمانيين، فتتقاسمه روسيا وإيران، وبشمائلها أمريكا وفرنسا.



لا يمكننا رفض الثورة في سوريا، كما نخجل من أن نوافق على ما آلت إليه المحافظات الريفية في البلاد.. اللاجئون في تزايد مستمر على الحدود وجُل دول العالم، النخبة في انقسام.. المد الشيعي يستعرض نفوذه في المنطقة، والسلفية تعرض ترويجا لقدراتها "الجهادية"، وسوريا في مهب الريح..
الأحرى بالبعثيين إيجاد مخرج مقبول للانفلات الأمني والإيديولوجي في بلدهم، إذ أن الثورة انتقلت من مرحلة المظاهرات السلمية إلى مرحلة الاشتباكات المسلحة والتفجيرات الانتحارية، ما يعني الدخول في حرب أهلية بوقود خليجي روسي، وطبعا لا نغفل الدعم الإيراني للأسد مقابل المكر الأمريكي مع الثوار.. ورغم هذا من الصعب تقبل الطبقة الحاكمة في البلد فكرة التنحي عن السلطة مقابل حل سياسي يرضي جميع الأطراف..


هذه الأطراف تتحرك بأيد خارجية تتنازعها مصالح متشابكة.. وهنا يكمن المشكل ويعيدنا لقضية كنا نتشدق بها زمان صدام حسين.. وهي مشروع التوطئة لمشروع الشرق الأوسط الجديد برؤية إسرائيلية، فكلنا يذكر الحصاد الأمريكي الذي أتى على أفغانستان والعراق، ومعاقل المقاومة في اليمن وفلسطين والسودان، وكان الدور على محور إيران سوريا.. ولكن ستكون أية خطوة أمريكية ضد هاتين الدولتين مفضوحا، فانبثقت فكرة استغلال الثورة السلمية في سوريا، لأجل الاقتراب أكثر من إيران..
الربيع العربي في سوريا كان سينجح لولا تدخل العرب.. إذ أن النظام الحاكم هناك حقا مستبد ويستحق الإقالة في أقرب فرصة.. ولكن ماذا حدث؟؟ بشار الأسد قمع سكان الأرياف بوحشية، واستغلت "قطر الأمريكية" حاجة السوريين إلى النصير فألحقت الخليج كله في دعم الثوار بحجة صد المد الشيعي، والإيقاع ببقايا البعث.. أما روسيا فلن تجد سوقا حالية أفضل من سوريا لترويج أسلحتها.. وأما أمريكا فهي تراقب الوضع "بأريحية" مادام الخليجيون يقومون بالعمل على أكمل وجه.


نجاح الثورة كان محتما لو كسب الثوار تعاطف سائر السوريين في طول البلد وعرضها بتزكية أممية.. ولكن السير المنحرف للمعارضة وتسليحها مع التدخل الخارجي جعل جزءا هاما من الشعب يلتف حول "آل الأسد" وهو مؤمن بضرورة بقاء البعثيين ماداموا رمزا للممانعة القومية ضد المشروع الأمريكي الصهيوني.. والنتيجة حتما دمار سوريا واندثار وجودها التاريخي والسياسي وتكميم أفواه المقاومة ضد اليهود.. ولا ننسى إجهاض الربيع العربي في دمشق بعد نجاح توأمة مصر وتونس.. والباقي مأتم عربي.
                                                                    بقلم / معمر عيساني      

تعليقات

  1. سفيان14/4/13

    كلامك معقول جدا أخي معمر فكلا الطرفين في سورية اليوم وصلا إلى مرحلة اللاعودة وهذا بالضبط ماكان يحذر منه الشيخ الشهيد البوطي-رحمه الله- في بداية الأحداث.
    والله كم نحن اليوم بحاجة إلى صوت حكيم ومتعقل مثل صوت الشيخ البوطي-رحمه الله- وأنا متأكد أنه سيأتي على الناس يوم يذكرون فيه هذا الشيخ الجليل بكثير من التقدير والتبجيل.

    ردحذف
    الردود
    1. رحمة الله على الشيخ الجليل البوطي..
      ونأمل حسن الاوضاع في بلدنا سوريا الحبيبة..
      ولكن لابد لكل حق من موضع..

      حذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة