الثلوج وقارورة الغاز والانتخابات وهموم أخرى

يعيش الجزائريون هذه الأيام على وقع الثلوج المتساقطة منذ أكثر من أسبوع.. وما رافق الظاهرة الطبيعية من ندرة في الإمدادات الضرورية للحياة، ومع هذا أعلن الرئيس "بوتفليقة" عن موعد الانتخابات التشريعية المقبلة، وبين هذا وذاك يُمضي المواطن يومياته برتابة الأكل والنوم، والنكاح لمن استطاع إليه سبيلا..

كان الشرق والوسط الجزائري أكثر المناطق تضررا من موجة الثلوج الأخيرة، حيث جلبت معها الرعب المتأتي من أوربا المدفونة تحت غطاء أبيض أشبه بالكفن، وصل سمكه إلى أكثر من 35 مترا في بعض مناطق إيطاليا، موديا بحياة أكثر من 600 شخص حتى منتصف فيفري.

الصور الواردة من "البيض" و"ميلة" و"قسنطينة" و"بجاية" و"تيزي وزو" وبقية الولايات في المنطقة الشرقية، توحي بمعاناة المواطنين، خاصة مع انعدام المواد الغذائية والغاز والكهرباء، ما يجعل للبرودة المجال واسعا لحصد أرواح الضعفاء من الصغار والعجزة، والحصيلة لحد الآن تجاوزت الأربعين حسب السلطات الرسمية.

ما أثارني الحالة البدائية التي لازال يعيشها الجزائريون في عمق الوطن، منازل من التراب، خِيم، وانعدام لتوصيلات الغاز، وهشاشة في الشبكة الكهربائية، وبطء لدى السلطات المحلية في فتح الطرق وتوصيل المساعدات، ولولا تدخل الجيش لكانت المأساة كبيرة بما ستنحصر عنه الثلوج الذائبة من قتلى ومفقودين..

وفي الوقت الذي نـُصدّر فيه الغاز للخارج، أصبحت قارورة الغاز تباع في السوق بأكثر من 1700دج بعد أن كانت لا تتعدى الـ200دج، وحتى لا نحمّل الظروف المناخية مسؤولية العجز في التغطية بالغاز، فالأزمة موجودة منذ مطلع العام الحالي.. أي حتى قبل سقوط الثلوج، فما السبب؟

تابعت نشرات الأخبار عبر التلفزيون الجزائري الأسبوع الماضي، ولاحظت اجتهاد مُعدي النشرات في إظهار اعتناء السلطات بالمواطنين، وحتى المتشردين منهم.. فقد بُث تقرير عن لجنة من الهلال الأحمر الجزائري تجوب شوارع العاصمة ليلا، لجمع المشردين واستضافتهم في مراقد دافئة، وهو أمر محمود للغاية، ولكن الذي لم أفهمه مشهد يستدعي التحليل والمناقشة..

متشرد نائم على "الكرتون" وملتحف بغطاء قديم على الرصيف، والبرد والصقيع في أوجّه، تصل إليه اللجنة، فيُقدّم أحدهم له فنجان قهوة "ورقي" ـ أي "جوتابل"ـ، ويمضون تاركين إياه على حاله؟؟ إذا قلنا أنه رفض الذهاب معهم إلى المرقد فهذا غير وارد، لأن المشهد يُبيّن قدوم اللجنة إليه منذ البداية، واللقطة غير محتوية على قص أو تجاوز للمشاهد، ما جعلني أشكك في الحملة التي يقوم بها الهلال الأحمر.. أو لنقل أنها حملة مبتورة ومحصورة في مناطق محدودة..

  مشهد آخر في نشرة الأخبار على التلفزيون الجزائري.. عائلة من ولاية "البيض" في حالة مأساوية لشدة البرد، ولطبيعة سَكنها، فهم يعيشون في منزل طوبي، يدخل عدد من رجال الأمن إلى المنزل، ويقدمون علبة من المساعدات الغذائية، ويتوعّدون بالتكفل بالعائلة مهما كانت الظروف.. وكأنهم يقولون لهم: سنضمن لكم تكاليف الكفن وأماكن حفر القبور بعد موتكم؟؟

في الحقيقة وضعية مثل هذه لا تسمح للمواطنين بالتفكير فيما يسمى بـ"الانتخابات"، يا ترى هل يعاني رؤساء الأحزاب مثل ما يعانيه المواطنون؟؟ هل شعر النواب في البرلمان بما شعر به الفقراء في مداشر وأرياف الجزائر الكبيرة؟؟ وهل يقتات أبناء المسؤولين على بقايا الخبز اليابس مثلما يقتات عليه أبناء الفلاحين والبطالين في عزلة الثلوج؟؟ أم لأولئك رب، ولهؤلاء رب؟؟

بقلم / معمر عيساني