رؤية أخرى لمشكلة الحرية


لا ريب في أن الإنسان مجبول على بعث تفكيره وسلوكه دون تقييد.. ومن المؤكد أن ما خالفه كان محض شذوذ اعترى طبيعته الوجودية.. الحرية وبغض النظر عن مدلولاتها اللغوية واعتباراتها الأخلاقية والدينية، مطلب بل غريزة في جميع الآدميين منذ خلق البسيطة.. مسار يتجه له الأعمى قبل البصير.. وتهفو إليه صفحات التاريخ لتطوى على ثورات الشعوب وانتفاضاتها لأجل هذه الكريمة الربانية.

يتحدد مصير الفرد بمصير المجتمع الذي يحيا في كنفه.. فإذا ما صبا لحرية يقتات بآفاقها حرية التعبير فعلا وقولا، وجب عليه الانغماس في ذلك الجو الواسع لحرية المجتمع وتخليه عن كل قيد.. وهنا تظهر الأخلاق والشرائع السماوية التي حددت منهجا قد يتفق مع الوضع في موائمته للفطرة، من هنا يبدأ الحديث عن الحرية.. فلا يمكن بحال عزلها عن أطرها الذهنية والواقعية... فالمناداة بحرية "هستيرية" هو في نفس اللحظة انتهاك لحرية فئة أخرى لها نفس الحق في ممارسة هذا الفعل..

إذًا يجوز لنا توسيع الفكرة لنقول أن هذه الحرية المستلذة لدى الجميع.. قد تكون من خلال سلوكياتنا اليومية والاستهلاكية.. وحتى المعاملاتية.. لكنها تتبلور بتحضر النخب إلى سلوك واعي يتجسد في إدارة المجموعات البشرية وقيادتها بمنهج رشيد، يكرس طموحاتها المبدئية.. القائمة أساسا على سياسة الـ"نعم" والـ"تفضَّل" والـ"تحدَّث" والـ"افعَل".. فإتاحة هذه النشاطات في أي بيئة تضمن انسيابية الحياة وتحقق ما ذكرناه سابقا من رؤية مبسطة للحرية..  

طبعا لابد من التأكيد على أن هذه الدينامكية المنفتحة في تسيير المجتمعات تؤدي بطريقة أو بأخرى إلى وصول أغلب الأطياف السياسية والدينية والثقافية إلى سدة الحكم دون عائق أو تشدد.. فالجميع يفهم السلوك السليم في القيادة المنطلقة أساسا من حرية الفرد أولا والمجتمع ثانيا.. فلا ضير من تحكم الإسلامويين أو العلمانيين أو حتى الاشتراكيين أو ما خالفهم من تيارات.. فهم وإن تقابلوا في الفكر إلا أنهم يثقون في أن أي فئة ستضمن الهامش اللامحدود للآخر.. وهم بهذه الطريقة يكرسون مبدأ التداول على السلطة دون حساسية، مركزين على مساعي التحضر والتطور المادي والنفسي للمجتمع، لا لتمرير أجنداتهم المعدة لـ"تحزيب" الناس وإلحاقهم بفكر ومنهج أوحد..   

قد يكون الحديث عن الحرية مثاليا، إلا أنه مقارب للخط الذي لابد من اتباعه لإنهاء ما اعترى مجتمعاتنا من ضيق وتحزب وديكتاتوريات أنهت معنى الحياة في أفئدة شعوبها، جاعلة منها أسرى ينتظرون الخلاص بهلاك مستعبدهم، أو إطاحته ودحره بثورات وانتفاضات تعيد الأمم لمسارها الذي يفترض أن تكون عليه بحرية متاحة للجميع.

بقلم / معمر عيساني



تعليقات

  1. سفيان17/1/12

    الحرية التي تضرب بالقيم والأخلاق عرض الحائط لانريدها ياأخي ولامكان للعلمانيين بيننا لأننا مسلمون ومن حقنا أن يحكمنا الإسلام.....
    يبدو أنك عرفت جيدا قيمة الحرية في العامين الماضيين يام....ح

    ردحذف
  2. السّـلامُ عليكُـم أخي معمّـر..

    و كما وعدتُك.. أقفُ هذا المسَاء معَ موضُوعك المُهم و الجوهري هذا..؟

    إذ أننا في أمسّ الحاجَة أوّلاً إلى فهم أنفُسنا.. و تحديد أولويّاتنا.. معَ فهم و تحديد نوع و نمط -الحُريّة- التي ننشُدُهـا.. و نتغنّى بها..

    الإختلاف سُنّة الله في خلقه.. أرادتهُ و أرسَتهُ الإرادَة الإلهيّة الحكيمَة.. رحمَةً بالخلائق...

    لكن.. و إن آمَنَت و وثقَت كُل التوجُهـات و المشـارب.. في أن أي فئة مـا..؟ ستضمن الهامش اللامحدود للآخر..؟

    لا بُدّ منَ الأخذ في الحُسبَان كذلك أنّ هامش الحُريّة.. ينتهي لا محالَة عندَ بدايـة حُريّة الآخَـر..

    و إلاّ انقلبَ السّيفُ على صـاحبه.. و استحالت الحُريّـة من حُريّة.. إلى سطو و عُدوان و ظُلم و هضم بالباطل لحقُوق الغير...؟

    و بينَ المفهُومَين.. تقفُ شعرة مُعاويَة..؟

    و على الإنسَانيّة أن تبتغي بينَهُما سبيلاً مُتوازناً...؟ و أن تعي أنّ اللاحدُود.. لا يعني الإطلاق بتاتاً..؟

    ----------------------

    لنجدَ بينَ ثنايا شرائع و أحكام ديننا الحنيف أساسيات و إسقاطات ذلك السبيل و المنهج الوسَط و المحمُود..

    فرغمَ شُموليّة الرسالة الإسلاميّة.. و أنها أُرسلَت للناس كـافّـة.. و البشريّة بأسرهـا...

    لكنّ المُسلمَ الصادق و المُؤمنَ الفذّ.. معنـي كذلك بالقاعدَة الربّانيّة.. "لا إكراه في الدين.. قد تبيّن الرُشدُ منَ الغي.."

    -------------------

    ردحذف
  3. أفهمُ جيّداً حديثك عن الحُرية أخي معمّـر..

    و أدركُ كذلك انك مُحق.. فـالضيق (في كُل شيء)؟ و التحزُب الذي وُلدَ في رحم الديكتاتوريات المُستبدّة.. قد وأدَ رُوح الشعُوب.. و قتل فيها الحياة..؟

    و لا يعني هذا الكلام حنيننا للقٌطبيّة الحزبيّة الواحدَة..؟

    اقتداءاً بالنمُوذج السويسري على سبيل المثال.. فهذا البلد الاوروبي الصغير يعتمد على حزب أحادي فقط منذُ انتهاء ح ع2..؟

    لكن المُجتمع السويسري بطبيعَة الحال.. (أفراد و جماعات) بلغُوا درجة منَ النُضج و الوعي... لا مجال للمقارنة بينه و بينَ نُضج و وعي شعُوبنا العربيّة... (و الجزائريّة على وجه الخصُوص)...؟؟

    --------------------

    و ذلك ما يُفضي لا محالة للتساؤُل أكثر.. كما اتساءل في نفسي هذه الأيام..؟ هل المشروع النهضوي الجزائري المُنتظر.. و ربيعُ بلدنا الغالي المُفدّى.. المأمُول..

    هل تُراه مشرُوع سياسي بالدرجة الأولى...؟ أم اقتصادي.. لصناعة المزيد منَ الثروة..؟ أم إجتماعي أخلاقي.. لدحر الإختلال الإجتماعي.. و إصلاح الإنجطاط الأخلاقي السائد...؟؟ أم ثقافي.. فكري...؟ أم غير ذلك منَ الأركان و الأُسُس...؟؟؟

    أسئلة قد أحاول الإجابة عنها حسبَ مفاهيمي و نظرتي المُبسّطة في مُستقبَل الكتابات بإذن الله...؟

    و إلى أن أعُود إلى باقي مواضيعك.. لكَ مني أخلصَ التحايا القلبيّـة..

    و كُل يوم.. و انتَ حُـر أخي معمّـر..؟

    ســـلااامم !

    ردحذف
  4. متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا..

    ردحذف

إرسال تعليق

رأيك يهمني..
تفضل الآن، واكتبه لينشر مباشرة دون تسجيل أو انتظار..
فهذه مساحتك الحرة للتعبير عنه..

الأكثر قراءة