لنتحدث قليلا عن المسؤولية..

         "كلكم راع وكل راع مسؤول عن رعيته".. أكثر المسلمين يعرفون هذا الحديث النبوي.. ويتغنون به في مجالسهم وأنديتهم.. وقد يفتخرون بما يحملونه منه على عاتقهم من مسؤوليات، لا يعطونها حقها إلا بشفاههم.. فالمسؤولية الحق مهمة تستلزم الكثير من الجهد والتركيز في أدائها، والإلمام بشعابها التي يغفل عنها كثير من الناس.

منذ فترة شاهدت فيلما هنديا حمل معنا عميقا للمسؤولية.. حادثة أودت بحياة طفلة صغيرة، تقاسم مسؤوليتها أكثر من شخص وهيئة مسؤولة غائبة تماما عن مهامها: حي شعبي، الطريق به غير صالحة مليئة بالحفر، تهاطلت الأمطار وامتلأت الحفر بالمياه، وانقطع السلك الكهربائي العابر فوق الحي وسقط في البرك المائية، ما جعلها قنبلة موقوتة، 
لحظات وتمر حافلة ركاب شعبية ـ صغيرة الحجم، وينتشر استعمالها بكثرة في الهند ـ بوابة الحافلة مفتوحة وإحدى الراكبات ـ وكانت صغيرة في السن ـ على الحافة.. وصلت الحافلة لذلك الحي، عبرت ومرت إحدى عجلاتها بحفرة في الطريق، فاهتزت العربة بشدة وسقطت الفتاة الصغيرة في بركة الماء المكهرب التي سقط بها السلك الكهربائي... لتلقى حتفها مباشرة بطريقة مؤلمة أمام ناظري أمها..
والد الفتاة وهو محامِ، رافع في قضية ابنته الضحية.. وراح يسرد قائمات طويلات من المسؤوليات المهدورة في المجتمع الهندي تصريحا، وفي سائر المجتمعات الإنسانية معناً..
بدأ بالمقاول الذي غش في تعبيد الطريق بذلك الحي، ثم الجهة المسؤولة عن ترميم الحفر التي أصابته، وغيابها عن المراقبة الدورية لهذا المرفق العمومي الهام، ثم انتقل إلى شبكة الكهرباء وإهمال صيانة الأسلاك والأعمدة، وعبث الموظفين وعدم الرد على اتصالات المواطنين وشكاويهم ـ لأن سكان الحي اشتكوا من الخطر الذي يهددهم جراء سقوط السلك الكهربائي، ولكن الموظف المَعني لم يرد على المكالمة كما ورد في الفيلم ـ وبعدها تحدث عن المسؤول عن تعطل المجاري المائية، والسبب في وصولها إلى الحالة المزرية التي جعلتها مسدودة أمام صرف المياه، 
ليصل هذا المحامي إلى حافلة النقل، وعدم احترام السائق للسرعة المحددة، وإهماله لسلامة الركاب من خلال عدم تصليحه لبوابة الحافلة، وخطأ المسؤولين عن النقل والمواصلات وعجزهم عن توفير وسائل نقل كافية، حتى لا يكون هناك اكتظاظ يجعل الركاب متزاحمين مكدسين في عربات النقل..
لابد أن هذا الفيلم الهندي يبين بطريقة واضحة تداخل المسؤوليات في المجتمع، وعظمها مهما كانت تبدو بسيطة.. فلو قام كل واحد بعمله على أكمل وجه، لما وقع الحادث، بمعنى أن أخذ المسؤوليات وأدائها، سيدخر علينا كثيرا من المآسي، والخسائر البشرية والمادية في أوطاننا ومدننا.. وحتى شوارعنا الصغيرة، وإن أردت التحدث بوعي، فالمسؤولية أمانة أمام ضمائرنا وأمام الله عز وجل.
بقلم / معمر عيساني
  

تعليقات

الأكثر قراءة