لماذا لم تنطلق بعد ثورة التغيير في السعودية؟

قد يجمع عدد من القراء على استفزازية السؤال.. ولكنه سؤال شرعي لحد بعيد، كما أنه ضروري لواقع المسلمين العرب بالأخص.. وربما مصير محتم لانطلاقة جديدة للدعوة المحمدية؟؟

لزعماء العرب المخلوعين:.. من دخل السعودية فهو آمن...

لم يجد "زين العابدين بن علي" ملجأ يهرب إليه بعد انقلاب التونسيين عليه غير المملكة السعودية.. ولم يتورع أولي الأمر منها في عرض أموال ضخمة لاستضافة "حسني مبارك" وإنقاذه من يد القضاء المصري.. كما أنهم لا يتوانون في دعم "عبد الله صالح" لمواجهة اليمنيين الكافرين بحكمه.. حقيقة من الغريب توافق العائلة المالكة في أرض الحرمين الشريفين على تقوية وحماية من أعلنت الشعوب لعنتها عليه.. ومن اتضح للعالم بأسره أنه خائن وعميل للصهاينة ومن يمقت الإسلام..

علاقة غريبة؟؟

 السعودية وبعد الدعوة الوهابية التي شكلت مملكتها، أصبحت همزة وصل "غريبة" بين العرب والغرب.. واتضحت سياساتها أكثر إبان دعوات الجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفياتي.. وما تلاها في حرب الخليج ودخول الأمريكان للخليج العربي.. لتستقر صورتها اليوم على أنها أرض ترعى الإسلام، وتدعو للسلم والأمان في العالم، مع كثير من توابل وبهارات "الوهابيين" الذين يؤكدون على دعم الرعية لحكامها؟؟

لحد الآن.. هذه هي السعودية.. ولكن! يوجد كثير من الغموض يكتنف أروقة قصر الملك عبد الله ومن سبقه ويتلوه؟؟ ولعل أبرز عنوان يتبادر للذهن ـ إذا ما ناقشنا عددا من الوقائع والاستنتاجات ـ هو "المؤامرة"..

دور السعودية في تنشئة الجماعات الإرهابية

لم ترض أمريكا بالتوسع السوفياتي في أفغانستان.. وسارعت لإيجاد حل يوقف هذا الزحف الأحمر بطريقة غير مباشرة تندرج ضمن ما كان يسمى بالحرب الباردة.. فأشركت المملكة السعودية في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.. تحت شعار الجهاد ومجابهة الإلحاد؟؟ جنّد "الوهابيون" أعدادا من الشباب العربي، وملؤوا عقولهم بأفكار الجهاد والانتحار والتكفير.. مبدئيا كان هذا الفكر موجها باتجاه السوفييت، وحصل ما كان يريده الأمريكان.. وتوافد كل من يهوى الحور العين وأنهار الجنة ليرمي بنفسه في لهيب كابول وتورابورا وما جاورها..

انتهت الحرب، ولكنها أعادت تشكيل نفسيات جلّ من شارك في تحرير الأرض.. ليعود المجاهدون العرب إلى دولهم بأفكار لم تتوقعها لا السعودية ولا أمريكا.. أفكار تكفيرية ترى ضرورة صياغة جديدة للحياة ضمن خلافة إسلامية "جبرية".. وهنا تشكلت التيارات "السلفية" التي تنهل من "الوهابية" كل صغيرة وكبيرة.. ولكن بتركيز زائد عن اللزوم.. يُكفّر الناس ويبيح سفك دماء كل من يظهر عليه تهاون في أداء فروض الدين.. بأسلوب مَسَخ كل ما تعاهد عليه السلف الحق من حرية دينية ودعوة ميسرة قائمة على الترغيب والعقل..

لابد أن السعوديين يتحملون المسؤولية في انتشار هذا التيار الجديد، بداية من الفقه الذي بثه الوهابيون في عقول ضعاف القلوب، والمبني على الانعزالية وفكرة "الفرقة الناجية" والتحريم اللامبرر لكل مباح؟؟، مرورا بفتاوى دعم الجماعات المسلحة التي كانت تقتل الصغير قبل الكبير، والمرأة قبل الرجل، لاسيما في الجزائر ومصر.. ووصفها بالمجاهدة في سبيل الله!

السعودية تقدّم مسكنات الألم للقضية الفلسطينية

لم يقتصر تعاون السعوديين مع الأمريكان على تسليم أفغانستان لـ"العم سام"، بل اجتهدوا في قتل القضية الفلسطينية، واستقرار اليهود بالأرض المقدسة.. بأساليب يندى لها الجبين.. فألزموا من انتهج مذهبهم فكرة تحرير الأرض على يد المسيح عيسى عليه السلام.. ملمحين إلى "إقعاد" كل من ينوي فتح جبهة قتال مع اليهود بحجة النبوءة المنتظرة.. هذه الفكرة جعلت الكثير من الأموال العربية تذهب بعيدا عن نصرة الأقصى وثكلى جنين وغزة وسائر بقاع تلك البلاد الحبيبة.. ما جعل المرابطين بها في ضيق من العيش وحاجة "للقوة ورباط الخيل"..

بالإضافة إلى هذا بادر "آل سعود" إلى عرض مبادرات عربية انهزامية وانبطاحية.. تهدف إلى إرضاء اليهود والنصارى، وخيانة القضية وحق العودة للاجئين الفلسطينيين؟؟

عندما تصبح المملكة رائدة الفساد في العالم العربي؟

المملكة ورغم ادعاءاتها بالزعامة الروحية للدول الإسلامية، وخدمتِها للحرمين الشريفين وكل من يقصدهما، إلا أنها تدعم أكبر مروجي الفساد والدعارة في الوطن العربي..

شبكة قنوات "روتانا" من أهم منتجي أغاني الفيديو كليب، التي قلّ ما نجد فيها كلمات وألحانا.. فكل ما في الأمر: موسيقى هستيرية ورقص ماجن وإغراء ساخن.. كذلك لا تجد هذه الشبكة حرجا في بث أفلام شبه إباحية تدعو علانية إلى إقامة العلاقات اللاشرعية، وترويج "النمط الأوربي" للحياة.. هذه الشبكة الفاسدة برأس مال سعودي.. ومالكها من العائلة الحاكمة في المملكة؟؟

كذلك شبكة الـ"mbc" وبعض القنوات في لبنان أسسها السعوديون، بل أفادت تقارير صحفية ـ غير مفصول في دقتها ـ إلى وجود قنوات إباحية تبث من أوروبا بنفقات رجال أعمال عرب، منهم سعوديين؟؟

بعد كل هذا العرض.. آن لنا السؤال: لماذا لم تنطلق بعد ثورة التغيير في السعودية؟ فالشعب هناك رغم الثراء الفاحش، يعيش طبقات لا تعرف سمينها من غثها.. ومن الناس من لازال يقطن في بيوت من القصدير والصفائح الحديدية، في وقت تدخل فيه الأموال جيوب "آل سعود" من كل حدب وصوب.. من مداخيل الحج السنوية، إلى آبار البترول، وانتهاءً بالمعاملات التجارية داخل المملكة وخارجها؟؟

العقم السياسي في السعودية

زيادة على هذا لا تكاد تجد أي حركة سياسية تفوح بالديمقراطية ورأي الشعب بمراكز حسم القرار في المملكة.. فالرأي الآخر في بلاط الحاكم، محكوم عليه بالرفض.. بتهمة السذاجة أو لربما الزندقة والكفر.. كما أن شيوخ الإفتاء المنضوين تحت إمرة الملك لا يبصرون إلا بعينيه، ولا ينطقون إلا بشفتيه.. فهم في الضلالة يعمهون!! ضلوا وأضلوا كثيرا من الخلق بأفكار دينية لا تمت للواقع بصلة، بل هي تجعل من الإسلام صنما لا حراك له أمام متغيرات العصر ومتطلباته..

لا ريب في أن المتشبثين بحكم المملكة سيخوّفون الناس بعاقبة زعزعة أرض تضم أقدس ما يملك المسلمون "مكة المكرمة".. إلا أنها ستكون حجة واهية، فإن كان الملك عبد الله ـ مثلا ـ حريصا على أمن المنطقة فعليه بمغادرة الحكم إذا ما قامت ضده ثورة شعبية، تُجمع على رؤى واضحة للانتقال بالسلطة من عصر الضعف والفساد إلى عصر أرحب بالحرية والانفتاح الديني.. ـ وأؤكد هنا على بعد مصطلح "انفتاح" عن أية خلفية علمانية.. بل إنني سأشرح الفكرة أكثر في مقالات أخرى بإذن الله ـ ..

كيف تكون الثورة؟؟

الدعوة إلى الثورة في المملكة، لا تعني إعلان الحرب، وفتح سجلات قتلى المظاهرات، وتحريض الناس على التخريب والتصادم، وإنما توعية السعوديين إلى واقعهم الذي يعيشونه في ضل حكم لا يمت للإسلام بصلة.. بل هو حجرة عثرة في طريق انتشار دعوته العالمية، إذ أنه أصبح في ذهنيات كثيرين رديفا "للعقال والقميص".. وهي جريمة في حق الإسلام، وتقزيم لوجوده الكلي المتعلق بالعالم بأسره.. فأنا أظن أن هذا الدين على محك حقيقي.. فإما التخلص من الوصاية العربية عليه لجعله "عالميا" بمعنى الكلمة، وإما القضاء عليه وسط الصحاري والوديان بين عرب أثقلهم التخلف حد الحبو..

في النهاية، أؤكد موقفي الدائم من رفض أشكال التظاهرات المخربة.. متمسكا بفكرة ثابتة وهي ضرورة التغيير الواعي، الجماعي والسلمي للواقع العربي دون أي تأخر.. فنحن قد تجاوزنا التأخر إلى ...خُر!!                                       

بقلم / معمر عيساني